كيف تقرأ كتاباً - كوينتوس كورتيوس

أفضل طريقة لتصنيف الكتب والاستفادة منها.

كيف تقرأ كتاباً - كوينتوس كورتيوس
مقال لـ: كوينتوس كورتيوس
ترجمة: حيدر راشد

كثيرا ما تواجهني أسئلة عن توصيات الكتب، ويسألني الناس: «ما الكتاب الذي تقترحه للمعرفة عن الحدث التاريخي س، ص، أو ع؟»

أو يقولون: «ما الكتاب الذي توصي به لدراسة الفلسفة س، ص، أو ع؟» أو ما شاكل.

ولا بأس بذلك. إذ يسعدني دوما أن أعطي رأيي. فأنا أحب أن أناقش، أنتقد، وأحلل، لأنه هكذا تعمل المعرفة وتتقدم.

ولكني كثير ما لا أملك غير التفكير في أمر آخر هو: قبل أن تدخل في تفاصيل أي كتاب تود قراءته، عليك أولا بالتأكد من أنك تعرف كيف تقرأ.

ذلك صحيح: كيف تقرأ.

«ولكن يا كوينتوس، أنا أعرف كيف أقرأ». يمكنني سماعك تقول ذلك. وأنت تقوله الآن.

ولكن هل تعرف حقا كيف تقرأ؟ نعم، أنت تعرف الأصوات، الصرف، النحو، الجُمل.

لكنني أتحدث عن القراءة من أجل المعلومات والاستيعاب. أتحدث عن استخلاص أكبر قدر ممكن من المعلومات المفيدة من كتاب ما.

ذلك أنه، كما ترى، تقع إدارة المعلومات في قلب القراءة الحديثة. فحجم المعلومات المتاحة يبلغ من الغزارة حد أن الأمر الرئيس يصبح القدرة على الإبحار خلال منجم المعلومات دون أن تفقد صوابك.

وإذا وضعت ذلك في خاطرك، فعليك بالتزام ما يلي:

الخطوة الأولى: ليست كل الكتب سواسية.

أبدأ هنا بمقدمة بسيطة، علينا في البدء استيعابها وتقديرها، وهي: ليست كل الكتب سواسية.

1. الصنف A: بعض الكتب يراد لها أن تقرأ وتدرس وتهضم بعمق.

2. الصنف B: بعض الكتب يراد لها أن تتصفح بسرعة هادئة، وتخضع «للتنقيب».

3. الصنف C: بعض الكتب يراد لها أن يمر عليها في عجالة.

حسناً. لقد وطدنا حقيقة أن هناك ترتيبا للكتب، وأنها لم تخلق جميعها سواء. وهكذا نمضي نحو الخطوة الثانية: كيف نميزها عن بعضها؟ الأمر بسيط جدا في الواقع، فأنت تعرفها حين تراها. فأنت تعرف عملا من الأدب الراقي حين تراه. فقد سمعت عنه، وأنت تعرف بالفعل شيئا ما حوله. وسيتطلب الصنفان الآخران شيئا من التدقيق.

الخطوة الثانية: تصنيف الكتاب.

إن الكتب التي يجب دراستها بإخلاص (الصنف A) لا تتطلب حقا كثير تعريف. فهي الأعمال العظيمة في الأدب، التاريخ، أو الفلسفة. أو يمكن أن تكون تلك الكتب التي توليها بالفعل تقديرا جليلا. وأنت مع نفسك تعرف ما هي هذه الكتب: تعرفها لأنك قمت ببحثك حولها.

ولكن ماذا عن الكتب في الصنفين B و C … ما الذي نفعله بها؟

إليك كيف نقرر إن كان الكتاب في هذا الصنف يستحق الاطلاع أصلا. أمسك الكتاب، قلّب في الصفحات، مستعرضا العناوين وأول جملة من كل فقرة لدقيقة واحدة. وما أن تنتهي من ذلك، فستعرف إلى أي صنف ينتمي الكتاب.

وعند هذه النقطة يجدر بي القول بأن بعض الكتب لا تستحق القراءة من الأصل. فالعديد منها (وربما معظمها) هراء خالص.

الخطوة الثالثة: كيف تقرأ كتابا من كل صنف.

أصبحنا إذن نعرف أي صنف ينتمي إليه الكتاب. وإليك ما سنفعله بعدها.

لنتحدث عن كيف نقرأ كتابا من الصنف الأول.

إن كنت تعرف أن كتابا ما هو في الصنف الأول (أي عمل من الأدب الجاد)، فأنت تعرف مسبقا أنه يتطلب بعض العناء، ولا يمكنك أن تتلهى به. فهو يحتاج منك لشيء من العناء والتركيز.

أول ما يجب عليك فعله هو أن تقرأ شرحا للكتاب. لماذا؟ لأن أعمال الأدب والكتابة الجادة قد تكون معقدة وصعبة على الفهم. ولن تعرف حتى ما يتحدث عنه المؤلف إلا لو قمت ببعض البحث الأساسي عن الكتاب، وإلا فسوف تضيع.

الأمر الثاني الذي يجب عليك فعله هو قراءة النص الأصلي. إن كان عملا من الأدب الأجنبي، فاحرص على أن تمتلك ترجمة جيدة، وأن تكون مفهومة. وحين تقرأ الكتاب، دوّن نقاطك في حواشي الكتاب عن الأفكار والأسئلة التي لديك. فذلك سيعينك على التذكر.

والأمر الثالث الذي يجب عليك فعله هو قراءة الكتاب من جديد وبسرعة. فما أن صرت تعرف ما يتحدث عنه المؤلف، انطلق في الكتاب لمرة أخيرة وبسرعة، ونشط النقاط الرئيسة في بالك.

أما الأمر الأخير الذي يجب عليك فعله فهو أن تعيد قراءة الشرح بسرعة. وبهذا ستعرف كل تفاصيل الكتاب والأفكار التي ينطوي عليها. ومن نافلة القول أن ذلك سيستغرق وقتا، لكن هذا هو الحال.

وأحيانا، حتى لو قمت بكل ما سبق، ربما لن تفهم الكتاب حقا. ولكن لا مشكلة! فأحيانا تكون في حاجة إلى خبرات حياتية كي تصبح الأمور مفهومة. وأحيانا نكون غير مستعدين لسماع صوت جديد. وهذا ما تعنيه الكتب الجيدة: أصوات جديدة، تدعونا لاتجاهات جديدة.

وكما يقول المثل: «ما من طريق ملكي إلى الهندسة».

تروى قصة عن الرياضي العظيم أقليدس، الذي كان يعلم بطليموس الأول ملك مصر (323-281 ق.م). وتوجه الملك بالسؤال لأقليدس إن كان هناك سبيل أسهل لفهم مسلّمات الهندسة. وأجاب أقليدس بأنه لا يوجد: فحتى الملوك عليهم تحمل المشقة لتعلم المعارف الجديدة: «ما من طريق ملكي إلى الهندسة». لا يوجد درب مختصر إلى المعرفة، وعلى كل شخص أن يبذل لها ثمنها.

وإن استطعت فعل ذلك، فستكون سلطان هذا المبحث.

والآن نذهب إلى كيف نقرأ الكتب في الصنف الثاني.

وهذا هو صنف الكتب التي تستحق القراءة، لكنها تضم كمية محدودة من المعلومات المفيدة. ستكون فيها بعض عروق الذهب، ولكن معظم ما تبقى سيكون حشواً.

طالع الكتاب صفحة صفحة، واقرأ أول وآخر جملة من كل فقرة، وتجوّل بعينيك في الجزء الأوسط من كل فقرة. وبفعلك لذلك ستكون قادرا على تحديد أجزاء الكتاب التي تستحق الحفظ.

حين تعثر على جزء مفيد من الكتاب، حدد حاشية الكتاب بالقلم الرصاص مع النقطة الجوهرية في ذلك النص. وبهذا النحو ستحتفظ بالمعلومات المفيدة. لا تخش من وضع العلامات في الكتاب: فأنا أفعل ذلك، ولن يضر الأمر بها. استخدم الرصاص فقط.

إن مجرد الكتابة في الكتاب ستساعدك على تذكر المعلومات. وإن كنت تدرس لغة أجنبية، فمن المفيد لك أن تكتب تعليقاتك باللغة الهدف. وبهذا ستحصل على قدر من الممارسة في الكتابة.

تذكر أنك «تنقب» في الكتاب. ولا يهم لو أنك نسيت كثيرا من الحشو، فمعظمه لا يستحق الحفظ أصلا.

والآن لنتحدث عن كيف تقرأ الكتب في الصنف الثالث.

هذا هو صنف الكتب التي يراد لها أن يمر عليها في عجالة. وهذا الصنف يضم الروايات الشائعة، قصص الجريمة الواقعية، وما شاكل. وحين يأتي الأمر إلى كتب كهذه، ستجد نفسك تستثار عاطفيا، ولا بأس بذلك. وحتى لو لم تضم هذه الكتب كثيرا من المعلومات المفيدة، فهي كثيرا ما تتضمن قصصا جيدة.

ولا مشكلة في ذلك، فالمعرفة بلا قيمة من دون خيال. وعليك أن تنمّي خيالك. يمكنك أن تنطلق في هذا النوع من الكتب بسرعة، وإن كان يستحق القراءة فلا بأس، وإلا فألق به.

وهكذا إذن: أصبحت تعرف كيف تقرأ. وإذا تابعت هذه النصائح الأساسية، ستحتفظ بمزيد من المعلومات من الكتب التي تقرأها. كما أنك لن تضيع وقتك على كتب لا تستحق انتباهك.

تعليق أخير: يرغب بعض الناس بمعرفة إن كان عليهم الحصول على نسخ ورقية أو إلكترونية من الكتب. وليس ذلك بالسجال الجديد، ولا أرغب بالخوض فيه. لكن رأيي الموجز هو: للكتب الجيدة، احصل على النسخ الورقية، لأنك ستعود إليها دوما، والأمر يستحق ذلك.