ما صفات ما يمُكن أن نعتبره علماً؟

العلم هو وسيلة لمعرفة العالم الطبيعي وكيفية عملهُ، وكيف يمكن أن يكون العالم الطبيعي بشكله الحالي. هو ليس مجموعة من الحقائق، بل هو طريٌقٌ لإدراكها.

ما صفات ما يمُكن أن نعتبره علماً؟

لكي تفهم ما هو العلم فقط أنظر حولك، ماذا ترى؟ قد ترى يدك على فأرة الحاسوب، وشاشة الحاسوب وأوراق وأقلام حبر، وقط العائلة الأليف، والشمس المطلة عليك من النافذة. العلم هو بمعنى واحد، قد علمنا كل هذه الأشياء، وكل الأشياء في الكون: من أصغر الجسيمات في إحدى ذرات معدن في دوائر جهاز الحاسوب الخاص بك، إلى التفاعلات النووية التي شكلت الكرة الهائلة من الغاز والتي هي شمسنا، وكذلك التفاعلات الكيميائية داخل جسدك والتي تسمح لك بقراءة وفهم هذه الكلمات.

هذا المقال هو فصل من كتاب "فهم العلم" قام بترجمته فريق العلوم الحقيقية الذي هو في الحقيقة ترجمة كاملة لموقع Understanding Science 101 الصادر من جامعة كاليفورنيا، بيركلي. الكتاب من ترجمة احمد الساعدي وقد دقق الترجمة كل من عمر المريواني ونورس حسن. يمكن الرجوع الى النسخة الكاملة من الكتاب عبر زيارة موقع العلوم الحقيقية. تم العمل على مراجعة المقال واضافة تعديلات طفيفة من فريق أوام.

العلم هو مجموعة من الإجراءات الموثوق بها والتي تسمح لنا بتعلم كل هذه الأشياء في الكون. ومع ذلك، فالعلم يختلف في العديد من طرق التعلم بسبب عمل الأشياء. ويعتمد العلم على اختبار الأفكار والأدلة التي تم جمعها من العالم الطبيعي. في هذا المقال سوف نساعدك على تعلم المزيد عن العلوم كعملية لفهم العالم الطبيعي والوصول إلى الأجزاء التي تؤثر على حياتك.

يشبع العلم الفضول الذي ولدنا به جميعاً: لماذا السماء زرقاء؟ كيف يحصل النمر على البقع؟ ما هو كسوف الشمس؟ فمع العلم، نستطيع الإجابة على كل هذه الأسئلة دون الحاجة إلى التفسيرات الخيالية. كما أن العلم يؤدي إلى التقدم التكنولوجي، ويساعدنا على تعلم مواضيع مهمة ومفيدة جدا، مثل الصحة والبيئة والمخاطر الطبيعية.

دون العلم فإن العالم الحديث لا يكون حديث في كل شيء، وما زال بإمكاننا تعلم الكثير. يعمل الملايين من العلماء في جميع أنحاء العالم على حل أجزاء مختلفة من لغز عمل الكون، حيث يبحثون في الزوايا والشقوق، باستخدام المجاهر والتلسكوبات، بالإضافة إلى أدوات أخرى تعمل على كشف الأسرار.

يعتبر العلم بشكل عام معقد، لكنه أهم خصائصه واضحة:

  • يركز العلم فقط على العالم الطبيعي، ولا يتعامل مع التفسيرات الخارقة للطبيعة.
  • العلم هو وسيلة لمعرفة العالم الطبيعي وكيفية عملهُ، وكيف يمكن أن يكون العالم الطبيعي بشكله الحالي. هو ليس مجموعة من الحقائق، بل هو طريٌقٌ لإدراكها.
  • يمكننا أن نعتمد على الأفكار العلمية المقبولة ل كونها خضعت لاختبارات صارمة، ولكن ظهور أدلة جديدة وآفاق جديدة تمكننا من مراجعة الافكار السابقة أيضاً.
  • العلم هو هدف المجتمع، فهو يعتمد على نظام معين من الضوابط والتوازنات، مما يساعد على ضمان تحرك العلم باتجاه المزيد من الدقة والإدراك. وما يسهل هذا النظام هو التنوع داخل المجتمع العلمي، والذي يقدم مجموعة واسعة من وجهات النظر بشأن الأفكار العلمية.
  • العلم بالنسبة للكثيرين غامض، حيث يرونه كأبراج عاجية، ولكن هذا الانطباع راجع لسوء فهم العلم. والحقيقة هي:
  • يؤثر العلم على حياتك في كل يوم في جميع الجوانب والطرق المختلفة.
  • يمكن أن يكون العلم ممتعاً وفي متناول الجميع.
  • يمكنك تطبيق مفهوم كيف يعمل العلم في الحياة اليومية.
  • يمكن لأي شخص أن يصبح عالماً، سواء كان هاوياً أو مختصاً.

قائمة العلم المرجعية

ما هو العلم بالتحديد؟ قد يبدو لنا أنه من الصعب تحديد العلم بشكل دقيق، حيث يتجادل الفلاسفة في هذا الأمر منذ عقود، والمشكلة أن مصطلح "العلم" يمكن أن ينطبق على مجموعة واسعة من المساعي البشرية، من تطوير الليزر إلى تحليل العوامل التي تؤثر على صنع القرار البشري.

ولكي نحصل على مفهوم معين للعلم، فيجب أن ننظر إلى قائمة العلم المرجعية، والتي تلخص الخصائص الرئيسية للعلم وأن نقوم بمقارنتها بالحالات النموذجية التي تعمل في العلم: تحقيق إرنست رذرفورد (Rutherford) في بنية الذرة ومن ثم البحث عن بعض الحالات الأخرى التي تعتبر أمثلة نموذجية بشكل قليل في العلم، وكيف يمكن أن ترتقي الخصائص المشتركة.

هذه القائمة المرجعية توفر لنا دليلاً عن جميع الأنشطة التي يحيط بها العلم، ولكنها لا تُعرف حدود العلم بشكل واضح، وهذه القائمة يجب أن تفسر على أنها كل شيء، ولا تعتبر لا شيء. بعض هذه الخصائص تعتبر ذات أهمية خاصة في العلم (مثل كل شيء في العلم يجب أن يعتمد على الأدلة)، ولكن بعض هذه الخصائص أقل أهمية. فعلى سبيل المثال، بعض التحقيقات العلمية تؤدي إلى طريق مسدود يحول دون استمرارية البحوث. لكن يمكن استخدام هذه القائمة المرجعية بمثابة تذكير بسمات العلم المعتادة. إذا كان هنالك شيء ما لا تتوفر فيه معظم هذه الخصائص لا يمكن اعتباره علم.

قائمة العلم المرجعية - العلوم الحقيقية

يسأل العلم أسئلة عن العالم الطبيعي

حيث يدرس العلم العالم الطبيعي، الذي يشمل مكونات الكون المادية والتي تنتشر حولنا، مثل الذرات والنباتات والنظم البيئية والأشخاص والمجتمعات والمجرات، وكذلك القوى الطبيعية التي تعمل في تلك الأشياء. وبالمقابل فالعلم لا يمكنه دراسة القوى والتفسيرات الخارقة للطبيعة. على سبيل المثال، فكرة وجود قوى خارقة للطبيعة أو حياة بعد الموت لا تعدُ جزءاً من العلم، لأن الحياة التي يفترض وجودها بعد الموت تعمل خارج القواعد التي تحكم العالم الطبيعي.

كل شيء في العالم الطبيعي، من الأنظمة البيئية إلى الضباب في المدن كله يُمُكن أن يكون موضوعاً للبحث العلمي

يمكن للعلم أن يتحقق من جميع أنواع الأسئلة مثل:

· متى شكلت أقدم الصخور الكرة الأرضية؟

· ماهي التفاعلات الكيميائية التي تحصل الفطريات بواسطتها على الطاقة من المواد الغذائية التي تمتصها؟

· ما هو سبب تكون البقعة الحمراء على المشتري؟

· كيف يتحرك الضباب في الجو؟

حيث أن هناك عدد قليل من الأسئلة التي تقع خارج الحدود التي يسمح بها العلم، ولكن هناك أنواع من الأسئلة تكون محدودة في العلم بالمقابل. فالعلم يمكنه فقط الإجابة على الظواهر الطبيعية والعمليات الطبيعية. فعندما نسأل أنفسنا: ما هو معنى الحياة؟ وهل توجد روح؟ فإننا نتوقع إجاباٍتٍ من خارج العالم الطبيعي، وبالتالي فهي خارج العلم.

النموذج العلمي: رذرفورد والذرة

في وقت مبكر من عام 1900 درس إرنست رذرفورد نظام الذرة، بالإضافة إلى أمور أخرى، وتعتبر الذرة من الجسيمات الأساسية للعالم الطبيعي. فعلى الرغم من أن الذرات لا يمكن أن تشاهد بالعين المجردة، إلا أنها يمكن أن تُدُرس بواسطة أدوات علمية مناسبة، لأنها جزء من العالم الطبيعي. سوف نستمر مع قصة رذرفورد بفحص كل بند من قائمة العلم المرجعية.

ايرنست رذرفورد

يهدف العلم للشرح وللفهم

يهدف العلم كمؤسسة جماعية إلى إيجاد وإنتاج المزيد من التفسيرات الطبيعية الدقيقة حول الكيفية التي يعمل بها العالم الطبيعي، وما هي مكوناته، وكيف يمكن أن يكون العالم على هو عليه الآن؟ الهدف الرئيسي الكلاسيكي للعلم هو بناء المعرفة والفهم، بغض النظر عن التطبيقات المحتملة، فعلى سبيل المثال، يتم التحقيق في التفاعلات هيكله. وتم إجراء البحوث العلمية بهدف واضح أكثر هو حل مشكلة ما أو لتطوير التكنولوجيا، وعلى طول الطريق وخلال السعي لتحقيق هذا الهدف شيدت المعرفة والتفسيرات الجديدة. فعلى سبيل المثال، حين كان علماء الكيمياء يحاولون إيجاد أدوية مضادة للملاريا صناعياً، تم اكتشاف طرق جديدة لتشكيل روابط يمكن تطبيقها لتكوين مواد كيميائية جديدة. ففي كلا الحالتين يهدف العلم إلى زيادة فهمنا للكيفية التي يعمل بها العالم الطبيعي.

والمعرفة التي بناها العلم تكون دائماً عرضة للتساؤل والمراجعة. فلا يوجد فكرة علمية واحدة بقت طول الوقت ثابتة، ولم تتعرض للتشكيك والمراجعة. والسبب هو أن العلم يسعى باستمرار إلى أدلة جديدة، والتي يمكن أن تكشف مشاكل التفسيرات الحالية. فالأفكار التي نقبل بها اليوم قد يتم رفضها أو تعديلها في ضوء الأدلة الجديدة المكتشفة في الغد. فعلى سبيل المثال، حتى عام 1938 قبلت فكرة أن شوكيات الجلد (أسماك قديمة) عند علماء الحفريات قد انقرضت في الوقت الذي كان آخر ظهور لها في السجل الأحفوري هو منذ حوالي 80 مليون سنة.

ولكن في ذلك العام تم اكتشاف أسماك شوكيات الجلد قبالة سواحل جنوب أفريقيا، مما جعل العلماء يراجعون أفكارهم والبدء في التحقيق حول الكيفية التي تمكن بها هذا الحيوان من البقاء في أعماق البحار.

فعلى الرغم من أن الحقيقة قابلة للتغيير، إلا أن الأفكار العلمية تعتبر معتمدة. فالأفكار لاقت قبول علمي بسبب كونها معتمدة على الكثير من الأدلة. وهذه التفسيرات العلمية تود باستمرار توقعات بكون الإجراءات صحيحة، مما يسمح لنا بمعرفة كيف يمكن أن تسلك الكيانات في العالم الطبيعي (على سبيل المثال، كيف يمكن أن يرث طفل ما مرض وراثي معين) وكيف يمكننا استخدام هذا الفهم لحل المشكلة (على سبيل المثال، كيف يمكن تحويل الكهرباء والزجاج والمركبات المختلفة إلى مصباح كهربائي يعمل). فيمكننا استخدام فهم طريقة حركة الغازات لبناء الطائرات التي نثق بها لإيصالها من مطار إلى آخر. على الرغم من أن المعرفة المستخدمة في تصميم الطائرات هي من الناحية الفنية تعتبر مؤقتة، لكن تلك المعرفة سمحت لنا مرارا وتكرار بصنع الطائرات. فلدينا سبب وجيه لكي نثق بالأفكار العلمية: فهي تعمل!

النموذج العلمي: رذرفورد والذرة (2)

وكان هدف إرنست رذرفورد من الأبحاث التي يجريها هو فهم وإلقاء الضوء على زاوية صغيرة من العالم الطبيعي وهي الذرة. وكانت أبحاث هذا العالم تتم باستخدام جسيمات ألفا، وهي ذرات الهليوم منزوعة الإلكترونات. وقد وجد رذرفورد أنه حين يتم تسليط حزمة من جسيمات ألفا الموجبة الشحنة من خلال رقائق الذهب، سيبعثر جزيئاته باتجاهات مختلفة. وقد رغب رذرفورد بمعرفة ما يخبره هذا السلوك عن تنظيم الذرة.

وتستمر قصة رذرفورد كمثال لقائمة العلم المرجعية.

بعمل العلم مع الأفكار القابلة للاختبار حصراً

ما يقع ضمن اختصاص العلم هو الأفكار القابلة للاختبار فقط، حيث يجب أن تعطي هذه الأفكار توقعات منطقية محددة. بعبارة أخرى، هي مجموعة الملاحظات التي نتوقع حدوثها إذا كانت الفكرة صحيحة، أو مجموعة الملاحظات التي نتوقع حدوثها إذا كانت الفكرة غير صحيحة، أي مجموعة الملاحظات التي تقودك للاعتقاد بأن هذه الفكرة غير صحيحة. فعلى سبيل المثال، بالنظر إلى صوت العصفور، هل هو مبرمج وراثياً ولا يتأثر بالبيئة التي يعيش بها؟ أم أنه يتعلم الأصوات مما يسمعه في صغره؟ يقوم التفكير المنطقي في هاتين الفكرتين على مجموعة من التوقعات المحددة. فإذا كان صوت العصفور مبرمجاً وراثياً بحق، فإننا نتوقع أن العصفور الذي تربى في نوع مختلف من أعشاش الطيور، سيستمر بإطلاق الأصوات الخاصة بالعصافير حاله حال أي عصفور آخر.

ولكن إذا كان العصفور يتعلم الأصوات في صغره، فسيطلق أصوات مشابهة لأصوات الأنواع الأخرى التي نمى في أعشاشها. تولد هذه الأفكار توقعات مختلفة، وكذلك هي قابلة للاختبار. فقد تتطلب الفكرة العلمية الكثير من المنطق للتوصل للاختيار المناسب، وقد يكون الاختيار صعب اختباره حيث يتطلب تطوير أدوات تكنولوجية جديدة لاختبارها، أو قد يتطلب اختبار كل افتراض بشكل مستقل. وبشكل عام لكي تكون الفكرة علمية، يجب أن تكون قابلة للاختبار بشكل أو بآخر.

يعمل العلم مع الأفكار القابلة للاختبار حصراً - العلوم الحقيقية

إن كان التفسير متوافق مع جميع الملاحظات الممكنة، فهو غير قابل للاختبار. وبالتالي لا يمكن أن يتناوله العلم. كما هو الحال مع الأفكار الخاصة بالأحداث خارقة للطبيعة. على سبيل المثال، فكرة وجود قوى خارقة للطبيعة تسيطر على جميع أفعالنا. هل هناك شيء يمكننا القيام به لاختبار هذه الفكرة؟ كلا، لا يوجد لأن هذه القوى الخارقة للطبيعة قادرة على كل شيء، أي شيء يمكن ملاحظته قد يكون من أفعال هذه القوى الخارقة. وهذا يعني أننا لا نستطيع استخدام أدوات العلم بجمع أي معلومة حول ما إذا كان هذا الكائن موجود أو لا، بمعنى أن هذه الفكرة خارج نطاق العلم.

النموذج العلمي: رذرفورد والذرة (3)

قبل عام 1910 كان لدى إرنست رذرفورد والعديد من العلماء فكرة أن الشحنة الموجبة تتوزع في جميع أنحاء كتلة الذرة بالتساوي، حيث تنتشر الإلكترونات. يمكنك تخيل هذا النموذج عند النظر إلى كرة ثلج (باعتبارها الكتلة الإيجابية للذرة) مع بعض حبات الرمل الصغيرة (باعتبارها الإلكترونات) المنتشرة في أنحاء كرة الثلج. يتم اختبار هذه الفكرة بتسليط شعاع ألفا خلال قطعة من رقائق الذهب. فإذا كانت الفكرة صحيحة، فأن الكتلة الموجبة تنتشر بشكل نسبي، وستسمح لجسيمات ألفا بالمرور من خلال الرقائق مع انتشار طفيف فقط.

العلم يتعامل مع الأدلة

بشكل أساسي، يجب ألا تكون الأدلة قابلة للاختبار فقط، ولكن يجب أن يكون الاختبار ممكن، حيث يفضل أن تكون الأدلة على مختلف الأصعدة ومن قبل العديد من الأشخاص المختلفين. وهذه الخاصية تعتبر جوهرية في جميع العلوم. فالعلماء يسعون بكل جهد لإيجاد أدلة عن طريق اختبار أفكارهم، حتى أن كان الاختبار صعب، فعلى سبيل المثال، يمكن أن يقضي العلماء سنوات في العمل على تجربة واحدة، أو في جمع عينات من ثاني أكسيد الكربون من القارة القطبية الجنوبية، أو جمع عينات من الحمض النووي من آلاف المتطوعين في جميع أنحاء العالم. أداء هذه الاختبارات مهم جدا في العلم، لأن قبول أو رفض أي فكرة في العلم يعتمد على الأدلة ذات الصلة، وليس على الاعتقاد أو الرأي العام أو التقاليد. ففي العلم ترفض الأفكار التي لا تدعمها الأدلة. والأفكار التي يتعذر اختبارها أو لا يمكن سوى لمجموعة واحدة أن تتمكن من اختبارها، هذه الحالات لا تعتبر من العلم الرصين.

النموذج العلمي: رذرفورد والذرة (4)

قام إرنست رذرفورد باختبار فكرة انتشار الكتلة الإيجابية عند إطلاق شعاع جسيمات ألفا خلال رقائق الذهب في المختبر، ولكن الأدلة الناتجة عن تلك التجربة مفاجئة: حيث مرت الكثير من جسيمات ألفا دون أن تغير في اتجاهها كما كان متوقعاً، ولكن بعض الجسيمات ارتدت في الاتجاه المعاكس، كما لو أنها اصطدمت بشيء صلب وكثيف في رقائق الذهب. إذا كانت ذرات الذهب مثل كرات الثلج تنتشر خلالها الجسيمات بشكل حر، كل جسيمات ألفا ينبغي أن تمر خلال الرقائق، لكن هذا الأمر لم يحدث!

من خلال الأدلة التي نتجت عن التجربة خلص رذرفورد إلى أن نموذج كرة الثلج لم يكن صحيحاً، على الرغم من أنه كان نموذجاً ذو شعبية في أوساط العلماء. وبدلا من ذلك تشير الأدلة إلى أن الذرة تحتوي على الكثير من المساحات الفارغة، وأن هناك كتلة كثيفة موجبة في مركزها، تشكل النواة. فعند تسليط جسيمات ألفا الموجبة على رقائق الذهب مرت معظم الجسيمات عبر الفراغ مع انحراف قليل، ولكن عدد قليل منها أرتد نتيجة ضربة من جسم كثيف، إلا وهو النواة الذهب موجبة الشحنة (كما هو الحال عند عندما تحاول أن تجعل قطبي المغناطيس يتلامسان). وكانت فكرة الذرات موجبة النواة ممكنة الاختبار. وقد أجريت العديد من التجارب المستقلة من قبل باحثين آخرين لمعرفة ما إذا كانت الفكرة تتناسب مع النتائج التجريبية الأخرى.

العلم جزء من المجتمع العلمي

الإجراءات العلمية تعتمد على تفاعلات المجتمع العلمي، والمجتمع العلمي هو مجموع الأشخاص والمنظمات التي تقوم بكل شيء له علاقة بالعلم، مثل إنتاج الأفكار العلمية واختبارها، النشر في المجلات العلمية، تنظيم المؤتمرات وتدريب العلماء وتوزيع الأموال المخصصة للبحث، وغيرها من الأمور التي تجعل المجتمع العلمي يوفر قاعدة معرفية تراكمية تسمح للعلم ببناء نفسه. والمجتمع العلمي مسؤول أيضا عن المزيد من الفحص والتدقيق للأفكار والقيام بتحديد الضوابط والتوازنات لعمل أفراد المجتمع.

بالإضافة إلى ما ذكر، فجزء كبير من البحث العلمي يعتمد على تعاون أشخاص مختلفين لجلب المعارف المتخصصة والتي تتطرق لجوانب مختلفة للمشكلة. على سبيل المثال، مقالة نشرت في إحدى المجلات العلمية عام 2006 عن الاختلافات المحلية في الجينوم البشري، كانت المقالة قد جاءت نتيجة لتعاون 43 شخص من المملكة المتحدة واليابان والولايات المتحدة وكندا وإسبانيا. حتى تشارلز داروين (Charles Darwin) صاحب فكرة التطور بواسطة الانتقاء الطبيعي والذي عاش كناسك في دياره، حافظ على المراسلات الحية مع زملائه/أقرانه، حيث أرسل واستقبل العديد من الرسائل التي تتطرق للأفكار والأدلة ذات الصلة بنظريته.

في حالات نادرة يعمل العلماء في عزلة. على سبيل المثال، جريجور مندل (Gregor Mendel) الذي وضع المبادئ الأساسية للوراثة الجينية والذي كان يعمل بمعزل عن المجتمع العلمي. وحتى في هذه الحالات، يجب أن تندرج هذه الأبحاث ضمن المجتمع العلمي، إذا كان لها تأثير على التقدم العلمي. ففي حالة مندل، تم عرض أفكار مندل على المجتمع العلمي من خلال أبحاثه المنشورة لأنه سمح لعلماء آخرين بتقييم ومراجعة تلك الأفكار بشكل مستقل، وتقديم أدلة جديدة وتطوير الأفكار الثانوية. قد يكون عمل المجتمع العلمي بطيء وفوضوي، إلا أنه مهم فيما يخص التقدم العلمي.

النموذج العلمي: رذرفورد والذرة (5)

على الرغم من أن إرنست رذرفورد هو صاحب فكرة الذرات ذات النواة الموجبة، إلا أن العمل الذي أنتج هذه الفكرة كان تعاوني: حيث أتمه رذرفورد بمساعدة هانز جيجر (Hans Geiger)، كما أن تجربة تسليط جسيمات ألفا وانتشارها أجريت من قبل إرنست مارسدن (Ernest Marsden)، وهو طالب جامعي. وبالإضافة إلى ذلك، وبعد هذا الاكتشاف قام رذرفورد بنشر وصف للفكرة مع الأدلة المتعلقة بها، لكي يطلع عليها المجتمع العلمي ومن ثم يدقق ويقيم الفكرة.

ومن خلال تدقيق الفكرة لاحظ نيلز بور (Niels Bohr) مشكلة في فكرة رذرفورد: وهي أنه ليس هنالك شيء يحافظ على الإلكترونات التي تدور حول النواة، حيث يمكن أن يتسبب ذلك بسقوطها. فقام بور بتعديل النموذج الأساسي لفكر رذرفورد من خلال الاقتراح بأن الإلكترونات تحدد من خلال مستوى الطاقة، وبذلك حلت المشكلة وحصل بور على جائزة نوبل. ومنذ ذلك الحين قام العديد من العلماء بالتعديل على نموذج بور.

مصطلحات:

علم التطبيقات/تقنية/تكنولوجيا (technology) تصميم الابتكارات التي تخدم بعض الوظائف العلمية.

فالعلم والتكنولوجيا يساهمان في تطور بعضهما البعض، حيث أن التقدم العلمي يؤدي إلى المزيد من التصميم التكنولوجي، والتكنولوجيات الجديدة تتيح لنا ملاحظات أو اختبارات جديدة تعزز المعرفة العلمية.

العلم يؤدي إلى استمرارية البحوث

العلم هو جهد مستمر، فلا ينتهي العلم بأحدث طبعة لكتاب الفيزياء في كليتك، ولن ينتهي حتى إذا عرفنا إجابة الأسئلة الكبيرة، مثل كيف يمكن أن يتفاعل (20000) جين لتكوين إنسان، أو ما هي المادة المظلمة (dark matter). فالأبحاث العلمية مستمرة، طالما هناك أجزاء غير مفسرة وغير مكتشفة في العالم الطبيعي.

يبدأ الجزء الأكبر في العلم بسؤال واحد، ليثير أسئلة أعمق وأكثر تفصيل وهذا يؤدي إلى المزيد من البحوث. وبالمثل، في الكثير من الأحيان يؤدي الخروج بفكرة مثمرة في تفسير حالة شاذة تمت ملاحظتها إلى توقعات ومجالات بحثية جديدة. بمعنى أن المعرفة تؤدي إلى المزيد من المعرفة. وكشف ما لا نعرفه يؤدي إلى توسيع معارفنا وكذلك وعينا. على سبيل المثال، اقترح جيمس واتسون (James Watson) وفرانسيس كريك (Francis Crick) أن الحمض النووي يأخذ الشكل الحلزوني كإجابة على سؤال مهم في علم الأحياء، الذي يبحث عن التركيب الكيميائي للحمض النووي. والاقتراح كان للإجابة على سؤال واحد، لكنه أدى إلى المزيد من التوقعات الجديدة مثل، قاعدة الاقتران، التي يتم نسخ الحمض النووي عن طريقها. وكذلك أثارت العديد من الأسئلة الجديدة مثل، كيف يتم تخزين المعلومات في الحمض النووي؟ ساهم في الكثير من الحقول البحثية الجديدة كالهندسة الوراثية. معظم الأبحاث العلمية الجديدة مشابهة لعمل واتسون وكريك، حيث تولد أسئلة جديدة تؤدي إلى اكتشافات جديدة.

النموذج العلمي: رذرفورد والذرة (6)

ألهم عمل إرنست رذرفورد نيلز بور لاقتراح نموذج الذرة الأكثر شيوعا في الكتب المدرسية: نواة تدور حولها الإلكترونات بمستويات مختلفة. على الرغم من إثارته للعديد من الأسئلة الجديدة مثل، كيف يمكن للإلكترونات التي تدور حول النواة من خرق القواعد الكهرومغناطيسية بعدم الهروب من النواة؟ كان هذا النموذج قوي، ومع العديد من التعديلات أدى إلى مجموعة واسعة من التنبؤات والاكتشافات الجديدة: وأهم هذه الاكتشافات هي توقع نتائج التفاعلات وتحديد تكوين النجوم البعيدة وكذلك القنبلة الذرية.

المشاركون في العلم يجب أن يتصرفوا بشكل علمي

يعتقد البعض أن العلم مخصص لمجموعة من النخبة، ويجب على كل شخص يرغب في أن يكون عالم أن ينضم لنادي النخبة ل كي يؤخذ على محمل الجد. وهذا الاعتقاد خاطئ، ففي الواقع يمكن لأي شخص أن يكون عالماً (بغض النظر عن العمر، الجنس، الالتزام الديني، القدرة البدنية، العرق، البلد، الرأي السياسي) وهذا التنوع يكون له فوائد هائلة بالنسبة للعلم، من حيث توسيع وجهات النظر التي يقدمها المشاركون فيه. ومع ذلك فالعلم يعمل مع الأشخاص الذين يتصرفون بشكل علمي، حيث التصرف العلمي هو ما يدفع العلم إلى الأمام.

المشاركون في العلم يجب أن يتصرفوا بشكل علمي

ولكن ما هي قواعد السلوك العلمي التي يجب على العلماء الالتزام بها:

1. الالتفات إلى ما قام به الآخرون، حيث أن المعرفة العلمية هي نتاج للعمل التراكمي. فإذا كنت ترغب باكتشاف أشياء جديدة ومثيرة، عليك أن تعرف ما قد تم اكتشافه من قبل الأشخاص الآخرين من قبل. وهذا يعني أن العلماء يدرسون حقولهم على نطاق واسع لفهم الحالة الراهنة للمعرفة العلمي ة.

2. الكشف عن أفكارك لكي يتم اختبارها. حيث يجب أن تسعى لوصف وإجراء الاختبارات التي توحي بكونك قد تكون مخطئاً و/أو السماح للآخرين بالقيام بذلك. ويبدو هذا مثل إطلاق النار على قدمك، ولكنه أمر مهم جدا حيث يدفع العلم إلى الأمام. فالعلم يهدف لفهم العلم بشكل دقيق، فإذا كانت الأفكار غير قابلة للاختبار، فسيكون من المستحيل معرفة ما إذا كانت هذه الأفكار دقيقة أم لا.

3. النظر في جميع الأدلة. فالدليل هو الحكم النهائي على الأفكار العلمية. والعلماء ليسوا أحرارا في تجاهل الأدلة. فعندما تواجه عالم أدلة تناقض فكرته، يعلق الحكم على هذه الفكرة بانتظار المزيد من التجارب، قد يتم مراجعة هذه الفكرة أو رفضها، أو قد يقوم بشرح الأدلة بطرق بديلة. ولكن يجب أن تحفظ الأفكار العلمية بأدلتها ولا يمكن أن تدعم أي فكرة علمية بوجود أدلة تناقضها.

4. نقل الأفكار والتجارب للآخرين علنا. فالاتصالات أمر مهم لأسباب عديدة، فإذا قام العلم بالاحتفاظ بالمعرفة لنفسه، فلن يتمكن الآخرون من تطوير هذه الأفكار، أو لمراجعة العمل، أو ابتكار طرق جديدة لاختبار الأفكار.

5. العمل بأمانة: التصرف بأمانة علمية. إخفاء الأدلة أو إظهار الأدلة بشكل انتقائي وتزوير البيانات لا تخدم الهدف النهائي للعلم، وهو بناء معرفة دقيقة للعالم الطبيعي. وبالتالي فإن الحفاظ على مستويات عالية من الصدق والنزاهة والموضوعية أمر بالغ الأهمية في العلوم.

النموذج العلمي: رذرفورد والذرة (7)

إرنست رذرفورد وزملاءه قاموا بالتصرف بشكل يجعل العلم يتقدم للأمام وقد قاموا بالتالي:

● فهموا المعارف ذات الصلة بمجالهم. وقد قام رذرفورد باقتراح فكرته عن النواة بعد دراسة الفيزياء لأكثر من 20 عام، ثم عرضوا أفكارهم للاختبار. وعلى الرغم من أن فكرة رذرفورد الأصلية كانت تقترح أنه لا يحدث ارتداد مبعثر، إلا أنه قرر البحث عن جسيمات ألفا المرتدة، لتكوين معرفة شاملة.

● قاموا باستيعاب الأدلة. عندما لم تدعم النتائج التجريبية فكرة "كرة الثلج" كنموذج للذرة، لم يقصي رذرفورد النتائج الشاذة، بل قام بتعديل الأفكار الأصلية في ضوء الأدلة الجديدة.

● قام بنشر أفكاره لكي تمكن الفيزيائيين الآخرين باختبارها. حيث نشر رذرفورد نتائج اختباراته وتفسيره للنواة في مجلة علمية عام 1911.

● تصرف بأمانة علمية. في ورقته البحثية حول هذا الموضوع ذكر رذرفورد النتائج بصراحة وأمانة (حيث نقل مساهمة زملائه، جيجر ومارسدن)، حتى عندما كانت النتائج التجريبية وحساباته لا تتطابق مع أفكاره تماماً.

العلماء المشاركون في هذا البحث طبقوا خطوات قواعد السلوك العلمي. وبهذه الطريقة وبالاستناد إلى البنود المرجعية، يعتبر هذا البحث في تركيب الذرة صحيحاً من الناحية العلمية.